الصفات التي تتعلق بالسلوك مع الآخر أو بالعلاقات والاختيارات الأدبية والخاصة بالإرادة الشخصية

SOC-WindosMedia-Logo.jpg SOC-PowerPoint.jpg SOC-pdf-logo.jpg SOC-Q.jpg SOC-Word.jpg
MP3 الحلقة كـ WMV الحلقة كـ P-Point الحلقة كـ PDF الحلقة كـ أسئلة الحلقة word الحلقة كـ

شخصية الله – حلقة 14 – صفات الله الأدبية – المحبة

درسنا في الحلقات السابقة الجزء الثاني من شخصية الله وهو صفات الله الطبيعية والتي تختص بالقدرات والامكانيات التي يتميز بها الله.

في هذه الحلقة سوف نبدأ في شرح ودراسة الجزء الثالث من شخصية الله وهو الصفات الأخلاقية أو الأدبية بمعنى الصفات التي تتعلق بالسلوك مع الآخر أو بالعلاقات والاختيارات الأدبية والخاصة بالإرادة الشخصية.

وهنا سوف نتكلم عن سبع صفات رئيسية في شخصية الله ترسم صورة رائعة كسيمفونية متجانسة متكاملة.

المفتاح الرئيسي وحجر الزاوية أي اللون الرئيسي أو الصفة الرئيسية – كما أعتاد الكاتب الكبير محمود عباس العقاد في كتابة عبقرياته أن يبحث عن مفتاح الشخصية التي يكتبها – التي إذا فهمتها عن الله فقد استطعت أن تفهم وتدرك هذه الشخصية الرائعة هي الصفة الأولى – التي سوف نتناولها في هذه الحلقة – هي المحبة.

هناك مبدأ أساسي وهو أنه كلما أقتربنا من المطلق أو من أصل الشيء كلما قلت التفاصيل،

فمثلاً كلما اقتربنا من مطلق القوانين التي تفسر الفيزياء كلما قلت هذه القوانين. وهذا عين ما كان أينشتين يحاول اثباته، فقد كان يبحث عن أصل القوانين التي تبحث في الطبيعة وبدأ في تجميع كل هذه القوانين سواء التي أكتشفها هو أو أكتشفها غيره من العلماء، ثم طفق يجد العلاقات بين هذه القوانين بعضها ببعض حتى وجد أن أصل القوانين يمكن التعبير عنه في قانونين هما الكهرومغناطيسة والجاذبية. وقد كان هذا التفكير منطقياً فواضع القوانين يبدأ بوضع مفتاح رئيسي ومنه تتفرع باقي القوانين.

في شخصية الله سوف نجد نفس المنطق الذي يجعل من هذه الشخصية رغم عظمتها وقدرتها الغير محدودة إلا أنها بسيطة وواضحة ورائعة وكاملة الجمال، فالمفتاح الرئيسي لهذه الشخصية هو الحب.

المحبة

سوف نكتشف دائماً ونحن ندرس صفات الله كيف أنه بسبب اختيار الله للحب وطبيعة المحبة التي يتميز بها الله.. كيف أن هذه الصفة هي التي تحكم كل تعاملاته مع الانسان وهذا ما نراه في الآية الآتية:

“اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا”(أف2: 4)، فمحبته كثيرة جداً بسبب رحمته الغنية التي يتعامل بها معنا.

نجد في شخصية الله عدم وجود فكرة تصارع الصفات الالهية بعضها مع بعض بمعنى أن صفات الله تتضارب ويحاول الله أن يجد المخرج من هذه المشكلة، ولكن هذه المشكلة هي في داخلنا حيث تتعارض وتتصارع الصفات والافكار.

صفة المحبة ليست هي مفتاح رئيسي لفهم الشخصية الالهية فقط بل هي مقياس ومعيار أساسي للتمييز بين صحة أي فكرة عن الله، فإذا قرأت أو فهمت أي نص من الكتاب المقدس أو سمعت من يتكلم عن الذات الالهية بما يتناقض ويتعارض مع المحبة وصفاتها التي سوف ندرسها، فهو لم يفهم الله وهذا الفهم الذي فهمه هو خاطئ. هذا أحد المبادئ التي تجعل فهمنا لشخصية الله فهماً ثابتاً لا يتزعزع.

 ليس المقصود بالمحبة التي هي مفتاح شخصية الله فعل المحبة الذي ربما يتغير من شخص إلى آخر أو يتغير بتغير الظروف المختلفة فهذه هي محبة البشر التي بها نحب بعضنا البعض أو نحب أشياء ونكره أشياء أخرى.

الحب الذي هو صفة من صفات الله ليس هو الحب الخاضع للمشاعر المتغيرة، بل عندما تكلم الكتاب المقدس عن حب الله قال أن الله نفسه هو المحبة:

“أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ, وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ.”(1يو4: 7, 8)

 هناك فرق كبير بين المحبة كصفة وبين المحبة كمشاعر, فمثلا ً يمكننا أن نحب أكلات معينة أو أماكن معينة ونكره أكلات أو أماكن أخرى فهذه محبة بالمشاعر وعكسها الكراهية، أما المحبة كصفة فهي اختيار في الحياة ولذلك فنقيض المحبة هنا هو الانانية وليس الكراهية.

 السبب الرئيسي الذي يجعل صفة المحبة هي الحجر الأساس والقيمة العليا هو أنها هي الاحتياج الحقيقي الأساسي لأي كائن أدبي له إرادة ومشاعر.. يريد أن يكوّن علاقة مع الآخر. ودليل ذلك هو إننا كبشر كبار كنا أم صغار، رجال أم نساء، فقراء أم أغنياء، سنجد أن الحب هو أكبر احتياج لنا فهو الذي يعطينا السعادة الحقيقية في الحياة والتي لا نستطيع أن نعيش بدونها،

فالحب هو أسمى وأرقى شيء في الوجود – ولأننا مخلوقين على صورة الله فصدى هذا الحب الالهي الذي ينبع من قلب الله يجعل الحب للانسان بمثابة وقود الحياة وحجر الأساس، وهذا ما نراه في (مزمور 63: 3) حيث يتكلم داود مناجياً الله: “لأَنَّ رَحْمَتَكَ loving kindness أَفْضَلُ مِنَ الْحَيَاةِ. شَفَتَايَ تُسَبِّحَانِكَ”

فمحبة الله بالنسبة لداود هي أفضل وأعلى قيمة من الحياة في حد ذاتها، فإذا خُير داود بين الحياة وبين محبة الله فبلا شك سوف يختار المحبة الإلهية.

أيضا نرى هذا واضحاً في سفر نشيد الانشاد: “إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ احْتِقَاراً” (نش8: 7)

وهذه هي المشكلة الرئيسية التي يعاني منها الكثيرين من الأبناء؛ أن الوالدين اهتموا بتوفير كل ما يحتاجه أبنائهم من مأكل وملبس وأموال ولم يهتموا بتوفير الحب الغير المشروط لهم. هذه هي طبيعة الكائن الأدبي فهو يبحث أولاً عن الحب لأن فيه يجد الشبع والأمان الذي يُشعرني بقيمتي وأهميتي،

كما رأينا في مقدمة موضوع التلمذة عندما درسنا أبعاد علاقتنا بالله حيث نتمتع بالبنوة لله التي هي مصدر كل محبة, ليس فقط أن أكون محبوباً ولكن أيضا أن أعطي أنا الحب الذي يُشعرنا بالفرح والسعادة ويزيد احترامنا وتقديرنا لأنفسنا، فأنت تستطيع أن تسعد الآخرين وتشبعهم، وهذا ما سوف نكتشفه رويدا رويدا؛ أن الحب هو القيمة الأولى والعظمى للكائن الأدبي.

 أي علاقة سواء كانت بين الزوج والزوجة أو بين الأبناء ووالديهم، إن لم تكن مؤسسة ومثبتة في الحب فهي علاقة فاشلة ومزيفة، فتتحول العلاقة إلى علاقة مصلحة ثم تتطور الى معركة بين أطرافها، فالحب هو مصدر العلاقة وهو غايتها وكل ما في العلاقة يجب أن يبنع من الحب وبهذا تستقيم العلاقات.

 استخدم الوحي في العهد القديم كلمات عديدة للتعبيرعن المحبة منها: صالح، طيب، جواد، احسانات الرب، لطف الله، واليك الآيات التي تكلمت عن المحبة بالمعاني المختلفة:

– “… صَلَّى عَنْهُمْ (حزقيا) قَائِلاً: الرَّبُّ الصَّالِحُ يُكَفِّرُ عَنْ كُلِّ مَنْ هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ اللَّهِ…” (2أخ30: 18, 19)

– “ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ! طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ”. (مز34: 8)

– “لأَنَّ الرَّبَّ صَالِحٌ. إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ وَإِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُهُ” (مز100: 5)

– “تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَة”. ( إر31: 3)

– “الرَّبُّ إِلَهُكِ فِي وَسَطِكِ جَبَّارٌ يُخَلِّصُ يَبْتَهِجُ بِكِ فَرَحاً. يَسْكُتُ فِي مَحَبَّتِهِ (he will rest in his love) يَبْتَهِجُ بِكِ بِتَرَنُّم”ٍ(صف3: 17 )

– «أَحْبَبْتُكُمْ قَالَ الرَّبُّ». وَقُلْتُمْ: «بِمَا أَحْبَبْتَنَا؟» (ملا1: 2)

في الحلقة القادمة سوف نكتشف معًا ما هي هذه المحبة وماهي صفاتها الرائعة.

أسئلة للمناقشة 

في رأيك هل المحبة ضعف أم قوة؟ ولماذا؟
ماهو الفرق بين المحبة كصفة وبين المحبة كمشاعر؟
لماذا المحبة هي حجر الاساس في شخصية الله وفي العلاقات بيننا وبين بعض؟
كيف يمكن أن تكون محبة الله هي اختيارك الاول في تصرفاتك وسلوكك؟